الرد الوافر التام, على من زعم أن الحج يجوز طول العام!
في مثل هذه الأيام من كل عام يثير القرآنيون وغيرهم من المشككين الذين دأبوا على الطعن في ثوابت الدين الإسلامي؛ شبهة: حاصلها أن مناسك الحج يجوز أن تفعل في سائر أيام السنة!
ولعل ما يدفعهم إلى هذا القول، ويتخذونه ذريعة إلى التمسك به، والترويج له؛ حوادث الحج التي تتكرر كل عام بسبب الزحام، وأنه لو وزعت أفواج الحجيج على الأشهر الحرم؛ لأمكن تفادي الكثير من تلك الحوادث!
ونحن - بعون الله تعالى وتوفيقه - في هذه الأسطر القليلة؛ نناقش حججهم التي استدلوا به، ونرد عليها بنفس طريقتهم التي اتبعوها في الاستدلال والتقرير والحكم، ملتقطين من كلام سادتنا المفسرين ما يناسب المقام في الرد عليهم من الحجج القرآنية والعقلية واللغوية التي يؤمنون بها؛ فإنما نحن عالة على علمائنا، لا سيما وقد طلب مني ذلك من لا يمكنني أن أرد له طلبا، ونشره على صفحتي، فتعين الأمر، وصار واجبا عينيا لا محيد عنه، وهو الأستاذ الدكتور محمد فكري الجزار(الملثم البدوي)، ومن الله المعونة، وبه الهداية والتوفيق.
منشأ الشبهة:
نشأت هذه الشبهة في أذهان أصحابها من ظاهر قوله تعالى:"الحج أشهر معلومات، فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج".
قالوا: فقد جعل الأشهر الثلاثة محلا للحج وميقاتا زمانيا له، دون تحديد له بأيام بعينها منه، وبناء عليه فالحج في جميعها جائز بنص القرآن!
ومنهم من توسع حتى ذهب إلى جوازه في جميع السنة، استنادا إلى ما قرره بعض الفقهاء مما يفهم منه جواز ذلك!
قالوا: وأما حجه صلى الله عليه وسلم في الأوقات التي يحج الناس فيها الآن فليس دليلا على عدم جواز الحج في غيرها، ولو كان كذلك لكان معارضا لنص الآية الكريمة التي جعلت الأشهر الثلاثة كلها زمانا للحج، ومما يؤكد ذلك قول الله تعالى:"يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج"، فجعل أهلة الشهور كلها ميقاتا زمنيا للحج!
الرد على الشبهة:
وللرد على هذه الشبهة نقول:
أولا: ما السر في التعبير عن الحج بأنه أشهر معلومات؟
ويجيب عن ذلك الإمام القرطبي في تفسيره(الجامع لأحكام القرآن)، فيقول:
" لما ذكر الحج والعمرة سبحانه وتعالى في قوله : "وأتموا الحج والعمرة لله"؛ بيَّن اختلافهما في الوقت، فجميع السنة وقت للإحرام بالعمرة، ووقت العمرة، وأما الحج فيقع في السنة مرة، فلا يكون في غير هذه الأشهر".
ويضيف الإمام البقاعي وجها آخر، فيقول في(نظم الدرر في تناسب الآيات والسور):
"ولما ذكر سبحانه وتعالى أن الحج موقت بالأهلة - يعني في آية سابقة على هذا وهي قوله تعالى:"يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج" - ولم يعين له وقتاً من شهور السنة، وختم ذلك بالتفرقة في بعض أحكام الحج بسبب الأماكن؛ تشوفت النفس إلى تعيين وقته وأنه هل هو كالمكان أو عام الحكم فقال: { الحج } أي وقته { أشهر }، فذكره بصيغة من جموع القلة الذي أدناه ثلاث، وهي ثلاث بجبر المنكسر: شوال وذو القعدة وتسع من ذي الحجة وليلة العيد، بدليل أنه يفوت بطلوع الفجر يوم النحر؛ ولما أبهم عيَّن فقال: { معلومات } أي قبل نزول الشرع، فأَذِن هذا أن الأمر بعد الشرع على ما كان عليه، ولا شك أن في الإبهام ثم التعيين إجلالاً وإعظاماً للمحدث عنه".
والمعنى على ما ذكراه: أن اختيار هذا التعبير القرآني البليغ - وهو أن الحج يكون في أشهر معلومات للمخاطبين - إنما وقع حسما للمادة، مخافة أن يجر الإبهام إلى اعتقاد جوازه طول العام!
والسؤال: لماذا لم يسم الله أشهر الحج في الآية ليقطع أوهام الواهمين، وظنون المتخرصين؟
والجواب: أنه سماها بطريق الإحالة؛ لأنه أحال على كونها معلومة عند العرب، والعرب إنما كانت تحج في تلك الأشهر الثلاثة، فقررهم عليها!
قال القرطبي:
"لم يسم الله تعالى أشهر الحج في كتابه; لأنها كانت معلومة عندهم".
ولما كان الحج عبادة قديمة تمارسها العرب في هذه المدة؛ وقع التعبير عنها بأنها "أشهر معلومات"، خلافا لصوم رمضان فلم تعرفه العرب في الجاهلية، فوقع التعبير عنه ب"أياما معدودات"، وهذا من أسرار النظم القرآني البديع!
ولا يصح الاستدلال على جواز الحج في سائر السنة بقوله تعالى:"يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج"؛ فإن هذه الآية عامة، خصصتها آية"الحج أشهر معلومات".
وقد أورد الإمام الرازي هذه الشبهة، وأجاب عنها قائلا:
"بقي ها هنا إشكالان:
الأول : أنه تعالى قال من قبل : ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج )، فجعل كل الأهلة مواقيت للحج .
الثاني : أنه اشتهر عن أكابر الصحابة أنهم قالوا : من إتمام الحج أن يحرم المرء من دويرة أهله ، ومن بعد داره البعد الشديد لا يجوز أن يحرم من دويرة أهله بالحج إلا قبل أشهر الحج ، وهذا يدل على أن أشهر الحج غير مقيدة بزمان مخصوص .
والجواب عن الأول : أن تلك الآية عامة ، وهذه الآية وهي قوله : ( الحج أشهر معلومات )، خاصة والخاص مقدم على العام .
وعن الثاني : أن النص لا يعارضه الأثر المروي عن الصحابة".
وبهذا تسقط شبهة جواز الحج في سائر السنة، وتبقى شبهة جوازه في سائر الأشهر الثلاثة، دون تحديد بأيام بعينها، وهو ما نوالي الرد عليه إن شاء الله.
ثانيا: معنى"الحج أشهر معلومات" بناء على إعرابه:
قال القرطبي:
"الحج أشهر معلومات" ابتداء وخبر ، وفي الكلام حذف تقديره : أشهر الحج أشهر ، أو وقت الحج أشهر ، أو وقت عمل الحج أشهر ، وقيل التقدير : الحج في أشهر، ويلزمه مع سقوط حرف الجر نصب الأشهر ، ولم يقرأ أحد بنصبها ، إلا أنه يجوز في الكلام النصب على أنه ظرف . قال الفراء : الأشهر رفع ; لأن معناه وقت الحج أشهر معلومات. قال الفراء : وسمعت الكسائي يقول : إنما الصيف شهران ، وإنما الطيلسان ثلاثة أشهر . أراد: وقت الصيف ، ووقت لباس الطيلسان، فحذف ".
وقال الإمام الفخر الرازي في تفسيره الكبير المسمى(مفاتيح الغيب):
"من المعلوم بالضرورة أن الحج ليس نفس الأشهر؛ فلا بد ههنا من تأويل، وفيه وجوه:
أحدها: التقدير: أشهر الحج أشهر معلومات، فحذف المضاف وهو كقولهم: البرد شهران، أي وقت البرد شهران.
والثاني: التقدير: الحج أشهر معلومات، أي لا حج إلا في هذه الأشهر، ولا يجوز في غيرها، كما كان أهل الجاهلية يستجيزونها في غيرها من الأشهر، فحذف المصدر المضاف إلى الأشهر.
الثالث: يمكن تصحيح الآية من غير إضمار، وهو أنه جعل الأشهر نفس الحج، لما كان الحج فيها، كقولهم: ليل قائم، ونهار صائم".
وعلى الوجه الإعرابي الثاني الذي ذكره الرازي يكون فائدة التعبير ب"أشهر معلومات" حصر أفعال الحج في تلك الأشهر، فلا تصح في غيرها.
ويستفاد من التعبير القرآني أيضا أنه ليس بالضرورة أن تستغرق أفعال الحج الأشهر الثلاثة كلها، بل إنها تقع في جزء منها - وهو الجزء المرتبط بالمناسك المعينة في أوقات معينة - والتعبير بالكل وإرادة الجزء واقع في كلام العرب، وبه نزل القرآن.
قال القرطبي مقررا ذلك:
"ولفظ الأشهر قد يقع على شهرين وبعض الثالث ; لأن بعض الشهر يتنزل منزلة كله ، كما يقال : رأيتك سنة كذا ، أو على عهد فلان ، ولعله إنما رآه في ساعة منها ، فالوقت يذكر بعضه بكله ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "أيام منى ثلاثة" . وإنما هي يومان وبعض الثالث . ويقولون : رأيتك اليوم ، وجئتك العام ، وقيل : لما كان الاثنان وما فوقهما جمع قال (أشهر) ، والله أعلم".
والسؤال: إذا كانت أفعال الحج إنما تقع في جزء معين من الأشهر الثلاثة؛ فلماذا لم ينص القرآن على هذا الجزء، وذكر الوقت على الشيوع؟
والجواب: أن ذلك رعاية لحال الناس في الأسفار البعيدة، وما يعرض لهم من الظروف والأحوال العائقة، فمنهم من لا يبلغ مكة إلا في مدة مديدة، لا سيما مع تعذر وسائل النقل وقت نزول القرآن، أو حتى إذا وقع الإحصار بالحج في زمننا هذا مع وجود وسائل النقل السريعة، فربما تعطلت خطوط البر أو البحر أو الجو لأسباب مختلفة، فلو اقتصر على ذكر الوقت المعين للمناسك؛ لربما فات الحج بسبب الإحصار، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من المدينة قاصدا مكة في حجة الوداع خرج لخمس بقين من ذي القعدة، يعني في الخامس والعشرين أو الرابع والعشرين منه، مع أن المسافة من المدينة إلى مكة آنذاك كانت تقطع في ثلاثة أيام على أقصى تقدير، فكان يكفيه أن يخرج مثلا في أول ذي الحجة!
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم عيَّن بفعله الأوقات التي تفعل فيها مناسك الحج من تلك الأشهر، ولم يكتف بالفعل، بل أكده بقوله:"خذوا عني مناسككم"، حتى يقطع الطريق على أصحاب تلك الشبهة وأمثالهم، ممن يحملهم الهوى على تبديل أحكام الله ورسوله، وبيان النبي صلى الله عليه وسلم لمجمل القرآن هو إحدى وظائف النبوة والرسالة، بنص القرآن، قال تعالى:"وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم"، فأسند إليه مهمة بيان الذكر الذي هو القرآن، وقد بيَّنه أتم بيان، حتى أنزل الله تعالى قوله:"اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا"، ولحكمة يعلمها الله فإن هذه الآية تحديدا نزلت في حجة الوداع ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة، فلو كان يمكن الحج في غير هذا الوقت الذي حج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيَّنه للناس، لا سيما والحاجة ماسة، والجو مناسب، والظرف مُوَاتٍ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فلما لم يفعل علمنا أن ذلك وقت الحج لا وقت له غيره!
ولهذا قال الرازي في أحد الوجوه التي ذكرها في معنى(معلومات)؛
"أن المراد بها معلومات ببيان الرسول عليه الصلاة والسلام".
وقال أيضا:
"المراد بها أنها مؤقتة في أوقات معينة لا يجوز تقديمها ولا تأخيرها، لا كما يفعله الذين نزل فيهم ( إنما النسيء زيادة في الكفر ) [التوبة : 37]".
ثالثا: بطلان استدلالهم بقوله عز وجل:"فمن فرض فيهن الحج" على جوازه طول العام:
لا يصح أن يراد من الفرض هنا أفعال الحج المؤقتة بميقات زمني مخصوص في شهر ذي الحجة، ولو كان ذلك مرادا لعبر عنه بقوله:"فمن حج فيهن"، ولكنه عدل عن هذا التعبير إلى "فرض" ليدل على معنى آخر، وهو الإيجاب والإلزام، ويكون ذلك بالدخول في الإحرام، سواء بقي على إحرامه إلى بقية المناسك، فيكون مفردا - وهذا صعب ، وبه قال النخعي فيمن أحرم في غير أشهر الحج: لا يحل حتى يقضي حجه - أم تحلل بعمرة، ثم بقي إلى زمان الحج، فيكون حجه تمتعا - وهو الأيسر والأقرب - وبه قال الأوزاعي فيمن أحرم في غير أشهر الحج: إنه يحل بعمرة.
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره:
"( فمن فرض فيهن الحج ) أي : أوجب بإحرامه حجا".
وقال الفخر:
" اعلم أن في هذه الآية حذفا ، والتقدير : فمن ألزم نفسه فيهن الحج".
وقال القرطبي:
"قوله تعالى : "فمن فرض فيهن الحج" أي ألزمه نفسه بالشروع فيه: بالنية قصدا باطنا، وبالإحرام فعلا ظاهرا ، وبالتلبية نطقا مسموعا".
قال ابن جرير :
"أجمعوا على أن المراد من الفرض هاهنا الإيجاب والإلزام".
يعني: ليس معناه إيقاع المناسك في زمانها المخصوص، بل ابتداؤها بالإحرام وما يدل على إرادته الحج كالتلبية أو سوق الهدي، في جميع الثلاثة الأشهر، سواء بقي على إحرامه، أم تحلل بعمرة.
قال الفخر:
" والمراد بهذا الفرض ما به يصير المحرم محرما، إذ لا خلاف أنه لا يصير حاجا إلا بفعل يفعله، فيخرج عن أن يكون حلالا، ويحرم عليه الصيد واللبس والطيب والنساء والتغطية للرأس إلى غير ذلك، ولأجل تحريم هذه الأمور عليه سمي محرما ؛ لأنه فعل ما حرم به هذه الأشياء على نفسه...فقوله تعالى : ( فمن فرض فيهن الحج ) يدل على أنه لا بد للمحرم من فعل يفعله لأجله يصير حاجا ومحرما، ثم اختلف الفقهاء في أن ذلك الفعل ما هو ؟ قال الشافعي رضي الله عنه : إنه ينعقد الإحرام بمجرد النية من غير حاجة إلى التلبية . وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : لا يصح الشروع في الإحرام بمجرد النية حتى ينضم إليها التلبية أو سوق الهدي".
قلت: بل له أن يحرم بالحج في جميع السنة على هذا الوجه، وهو قول أبي حنيفة، والمشهور عن مالك، وبه قال الثوري، والليث!
"وحجة أبي حنيفة رضي الله عنه وجهان:
الأول: قوله تعالى: ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج )، فجعل الأهلة كلها مواقيت للحج، وهي ليست بمواقيت للحج، فثبت إذن أنها مواقيت لصحة الإحرام، ويجوز أن يسمى الإحرام حجا مجازا، كما سمي الوقت حجا في قوله : ( الحج أشهر معلومات )، بل هذا أولى ؛ لأن الإحرام إلى الحج أقرب من الوقت .
والحجة الثانية : أن الإحرام التزام للحج، فجاز تقديمه على الوقت كالنذر".
والجواب عن الأول : أن قوله تعالى"الحج أشهر معلومات" مخصص لقوله تعالى"يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج".
"والجواب عن الثاني: أن الفرق بين النذر وبين الإحرام؛ أن الوقت معتبر للأداء والاتصال للنذر بالأداء، بدليل أن الأداء لا يتصور إلا بعقد مبتدأ ، وأما الإحرام فإنه مع كونه التزاما فهو أيضا شروع في الأداء وعقد عليه، فلا جرم افتقر إلى الوقت" انتهى من كلام الفخر بتصرف.
على أن كلام الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه واضح الدلالة في أن جميع السنة لا يصح فيها من أفعال الحج سوى الإحرام فقط وما يدل عليه وما يستتبعه من الأفعال؛ فإنه قال:" فجعل الأهلة كلها مواقيت للحج، وهي ليست بمواقيت للحج، فثبت إذن أنها مواقيت لصحة الإحرام، ويجوز أن يسمى الإحرام حجا مجازا،كما سمي الوقت حجا في قوله : ( الحج أشهر معلومات )، بل هذا أولى ؛ لأن الإحرام إلى الحج أقرب من الوقت".
"وذهب الشافعي ، رحمه الله ،(وأبو ثور) إلى أنه لا يصح الإحرام بالحج إلا في أشهره، فلو أحرم به قبلها لم ينعقد إحرامه به ، وهل ينعقد عمرة ؟ فيه قولان عنه. والقول بأنه لا يصح الإحرام بالحج إلا في أشهره مروي عن ابن عباس ، وجابر ، وبه يقول عطاء ، وطاوس ، ومجاهد، (والأوزاعي) ، رحمهم الله (قالوا: من أحرم بالحج قبل أشهر الحج لم يجزه ذلك عن حجه ويكون عمرة ، كمن دخل في صلاة قبل وقتها فإنه لا تجزيه وتكون نافلة)، والدليل عليه قوله تعالى: ( الحج أشهر معلومات ) وظاهره التقدير الآخر الذي ذهب إليه النحاة ، وهو أن : وقت الحج أشهر معلومات ، فخصصه بها من بين سائر شهور السنة ، فدل على أنه لا يصح قبلها ، كميقات الصلاة" انتهى بتصرف من ابن كثير.
وقال الفخر الرازي - وهو شافعي المذهب - مرجحا مذهب الإمام الشافعي:" وإذا ثبت هذا فنقول: وجب أن لا يجوز الإحرام بالحج قبل الوقت، ويدل عليه ثلاثة أوجه:
الأول: أن الإحرام بالعبادة قبل وقت الأداء لا يصح، قياسا على الصلاة.
الثاني: أن الخطبة في صلاة الجمعة لا تجوز قبل الوقت؛ لأنها أقيمت مقام ركعتين من الظهر حكما، فلأن لا يصح الإحرام وهو شروع في العبادة أولى.
الثالث: أن الإحرام لا يبقى صحيحا لأداء الحج إذا ذهب وقت الحج قبل الأداء، فلأن لا ينعقد صحيحا لأداء الحج قبل الوقت أولى؛ لأن البقاء أسهل من الابتداء".
وقال القرطبي - وهو مالكي المذهب - مرجحا مذهب الشافعي أيضا، ومصححا مذهب مالك، متأولا له: "وما ذهب إليه الشافعي أصح; لأن تلك عامة، وهذه الآية خاصة، ويحتمل أن يكون من باب النص على بعض أشخاص العموم، لفضل هذه الأشهر على غيرها، وعليه فيكون قول مالك صحيحا، والله أعلم".
وبعد: فإن شبهة جواز إيقاع مناسك الحج المؤقتة بوقت مخصوص كأعمال يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق، في جميع أشهر الحج، أو في جميع السنة؛ شبهة واهية، أوهن من بيت العنكبوت، ولا تصمد أمام النقد العلمي النزيه، والقول بها افتراء واجتراء على الله ورسوله، واتهام واضح للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه ترك شيئا من فرائض الدين، بل من شعائر الإسلام لم يبلغه لنا و كتمه عنا، أو تركه غامضا ولم يبينه، وأن الأمة كلها تواطأت على هذا الكتمان والغموض، ولا يخفى ما في ذلك من إهدار قيمة الإجماع النظري والعملي، ونقل الكافة عن الكافة ما توارثوه من أحكام دينهم عن نبيهم، وهو ما يعني تجهيل الأمة كلها وتغفيلها وتضليلها، وهو ما عصم الله منه هذه الأمة المباركة المرحومة، إكراما لنبيها صلى الله عليه وسلم، وبالله التوفيق.
#الخواطر_العشماوية_
Tidak ada komentar:
Posting Komentar
Catatan: Hanya anggota dari blog ini yang dapat mengirim komentar.